الأربعاء، 5 أغسطس 2009

الايجور من قوة تفرض الجزية على الصين إلى شعب مشرّد



نُشر هذا المقال بتوسع أكبر ،وقد رأيت لأهميته تلخيصه وإعادة نشره ..
عسى أن نعذر أنفسنا أمام الله على الأقل بالاهتمام بأمر المسلمين "فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" ..


الصين لن تجامل أحدا على حساب وحدتها الوطنية

نسبة الصينيين في الإقليم ارتفعت من 6 % عام 1949 إلى 40 %  عام 2000

الصين أسست مستعمرات عسكرية على غرار إسرائيل لتغيير تركيبة السكان

استقلال الأيجوريين مستحيل وليس أمامهم سوى تعزيز حقوقهم في ظل الدولة

 

 

فجأة اكتشف المجتمع الدولي ومن ورائه العالَمان الإسلامي والعربي، أن هناك شعبا منسيا يسمى "الأيجور". وأعاد القمع الوحشي الذي مارسته السلطات الصينية ضدهم في الأحداث الأخيرة، الى الأذهان الصورة القديمة للصين الشيوعية المستبدة، بعد أن توارت هذه الصورة السلبية بفضل المعجزة الاقتصادية الصينية.

ينتمي الأيجور إلى العرق التركي، ويطلق عليهم أحيانا "الأتراك الشرقيون"،  وقد أسس الأيجور إمبراطورية عريقة سيطرت على أجزاء واسعة من وسط آسيا، ومنغوليا، وشمال الصين وجنوب روسيا الحالية، إلى ووصلت في قوتها إلى حد التدخل في الشؤون الداخلية الصينية.

حيث لجأ إليها الصينيون لدعمهم في مواجهة ثورة داخلية، ودفع الصينيون أتاوة أو جزية إلى الأيجوريين، كما تزوج خان الأيجوريين من ابنة إمبراطور الصين. وقد وصلت هذه الإمبراطورية إلى ذروة قوتها بدءا من عام 672 ميلادية وانهارت عام عام 841 م على أيدى أشقائهم الكرغيز لتنشطر بعدها إمبراطورية الأيجور إلى ثلاث دول.

وكان أول من اعتنق الإسلام من الأيجور هي دولة "القره خانيد" في عام 934 وكان من أشهر عواصمها كاشغر وسمرقند، وأسست هذه الدولة المساجد والمدارس الإسلامية واعتبرت نفسها حاجزا دفاعيا أمام الدولتين الأيجوريتين الأخريين غير المسلمتين. وفي عهدها بدأ الأدب التركي في النهوض، بعد أن حوّل الإسلامُ الأتراكَ الأيجورَ من أمة بدوية إلى أمه ساعية إلى الحصارة، مثلما فعل من قبل مع العرب والبربر والمجموعات التركية المختلفة.

وقد خضع الأيجور لحكم أولاد عمومتهم المغول بدءا من عام 1209، واكتمل اعتناق كل الأيجور في القرن الخامس عشر على يد خانات يرقند وهى دولة مغولية مسلمة.

وقد تشكلت هوية الأمة الأيجورية الحديثة تحت حكم دولة خانات الشقطاي التي كانت تعد دولة تركية مغولية، يعتنق أغلب سكانها الإسلام، ويتحدثون التركية الأيجورية وتسيطر على ماعرف باسم تركستان الشرقية أو أيجورستان. إضافة إلى سيطرتها على تركستان الغربية أو آسيا الوسطى التي تضم حاليا الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي.

وفي عام 1920 وبتأثير البلاشفة الروس أصبحت القومية الأيجورية تشكل تهديدا للسيادة الصينية، ومثلما فعل الاستعمار في الدول العربية قد سعى الروس إلى تشجيع الفصل القومي التعسفي بين الأيجور الخاضعين للصين، والأوزبك الخاضعين للروس، كما شجعوا على التمييز والفرقة بين المتحدثين الأغلبية السنية ذات الثقافة التركية، وبين الأقليات الفارسية الشيعية رغم هيمنة الثقافة الأوزبكية على الجميع.

وخضعت سنيكيانج أو تركستان الشرقية لأحد زعماء الحرب الجمهوريين في الصين (الكومانتنج) الذين أنهوا الحكم الإمبراطوري، حيث شجع هذا الزعيم على الفصل بين الثقافة الأيجورية والثقافات المجاورة في آسيا الوسطى. وقام الأيجوريين بهبّات متعددة ضد الحكم الصيني، أثناء سيطرة "الكومنتانج. وأقاموا جمهوريتين خلال الثلاثينيات والأربعينيات تحت اسم جمهورية تركستان الشرقية. وذلك بدعم من الزعيم السوفيتي الشهير جوزيف ستالين، فيما كانت الدولة الصينية منشغلة في التصدي للغزو الياباني، ولم تعترف قط بهاتين الجمهوريتين.

وبعد هزيمة القوميين الصينيين في الحرب الأهلية في عام 1949 لصالح الشيوعيين، استسلمت بقايا جمهورية تركستان الشرقية، ووافق قائدها على تحويلها إلى منطقة للحكم الذاتي تحت الاسم الصيني سينيكيانج، وأصبح هذا القائد هو المسؤول الأول في الحزب الشيوعي الصيني في المنطقة، بينما هاجر أغلب قادة الحركة القومية الأيجورية إلى تركيا والغرب، لينتهى الحلم الأيجوري، ولو إلى حين. وتم حظر اسم تركستان الشرقية، واعتبر علمها علما غير شرعي.

وقد أعقب سيطرة الصين على تركستان الشرقية سياسة ممنهجة لتهجير أفراد من قومية الهان المهيمنة على الصين إلى ذلك الإقليم، مما أدى إلى تزايد نسبتهم من 6 % عام 1949 إلى نحو 40 % عام 2000، مقابل 45 % للأيجور، أي أن تعداد الأيجور أصبح أقل من النصف في بلادهم.

وتبدو أزمة الأيجور أزمة غير قابلة للحل، فالأيجور جزء من أكبر دولة في العالم، وهى عملاق صاعد يتقدم ليحتل مكانة كأكبر قوة اقتصادية وسياسية في العالم. وبالتالي أقصي ما يمكن أن يقدمه الغرب للأيجوريين أن يستخدمهم كأداة لإزعاج ومشاكسة العملاق الصيني للضغط عليه، وتشويه صورته والوقيعة بينه وبين العالم الإسلامي.

لكن يستحيل عمليا على الأيجور الحصول على الاستقلال ، فالصين دولة شديدة المركزية برغم ضخامتها. ويشكل عرق "الهان" أكثر من نسبة 90 % من سكانها، مما يجعل التهديد الذي تشكله الأقليات محدودا ، ويمكن القضاء عليه بل وسحقه بسهولة . 

كما أن الافتراض القائل بأن الصين يمكن أن ترتدع عن سحق أية هبة للأيجوريين تحسبا لعدم إغضاب الغرب والعالم الإسلامي، أمر غير حقيقي. فالصين بشعورها القومى الحاد لن تجامل أحدا على حساب وحدتها، كما أن هناك حدودا لقدرة الغرب على الضغط على الصين، فهي ليست إيران، أو كوبا، أو كوريا الشمالية.

أما العالم الإسلامي والعربي، فإنه مشغول بصراعاته وأزماته الداخلية، وهو في أمس الحاجة لرضا الصين عنه والتي تساهم أحيانا في تنفيس الضغط الغربي عليه، ولم يبق للأيجور سوى شقيقتهم الكبرى تركيا المزهوة بديمقراطيتها وعلمانيتها وإسلاميتها. فهي تبدو أقل دول العالم الإسلامي حاجة الى الصين باقتصادها المنفتح على العالم، وعلاقتها المتوازنة والقوية بالغرب وبروسيا. فهي لا تحتاج سلاحا من بكين، ولا تجري وراء فيتو صيني يحول دون تقديم حكامها إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولا تريد دعما لقرار بوقف الاستيطان في الضفة الغربية.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

جزاك الله خيرا يا أخ عبد الرحمن .. تحليل رائع ومبسط لمشكلة الإيجور المسلمين في الصين، وعرض رشيق للموضوع تحسد عليه ، وإن كنت أتمني عليك لو أضفت قدراً من الحلول المقترحة أو التوصيات التي قد توضح خريطة طريق لكيفية خلاص هذه الأمة من محنتها وكيف نساعدهم نحن كنخبة تحمل هم الحلم الإسلامي ، فإن كان لابد فليكن من تدوينة ملحقة عن كيف يستعيد هذا الشعب المقهور جزءً من كيانه المفقود.
أخوك/ محمد البنا