الاثنين، 16 يناير 2012

تقريري في الجزيرة نت.. عاصفة انسحاب البرادعي.. ماذا بعد؟



http://www.aljazeera.net/NR/exeres/19A33691-AA6C-4BA2-84D3-7895FF446493.htm

فاجأ محمد البرادعي المشهد السياسي في مصر بقراره الانسحاب من سباق انتخابات الرئاسة، وبينما أيده في قراره كثيرون، رأى آخرون أن انسحابه بمثابة اعتراف حقيقي بضعف فرص فوزه في الانتخابات المقبلة.
وأرجع المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي قراره بالانسحاب من سباق الانتخابات الرئاسية إلى أن "الربان الذي تولى قيادة البلاد (يعني المجلس العسكري) أخذ يتخبط بها بين الأمواج دون بوصلة واضحة، ونحن نعرض عليه شتى أنواع المساعدة، وهو يأبى إلا أن يمضي في الطريق القديم، وكأن ثورة لم تقم، وكأن نظامًا لم يسقط".
وأضاف البرادعي في بيان انسحابه "إن ضميري لن يسمح لي بالترشح للرئاسة أو أي منصب رسمي آخر إلا في إطار نظام ديمقراطي حقيقي يأخذ من الديمقراطية جوهرها وليس فقط شكلها".
وقال البرادعي في لقاء مغلق بعدد من الشخصيات العامة والإعلاميين، إن المجلس العسكري حاول ثنيه عن قراره، لكنه تمسك بموقفه، وكشف أنه يدرس تأسيس حزب جديد يمثل مصر الوسطية.


آراء متباينة
وانقسمت الآراء والتحليلات السياسية بعد قرار البرادعي، فقالت حركة 6 أبريل إن انسحاب البرادعي من الانتخابات الرئاسية بمثابة "صفعة" للمجلس العسكري، وإن القرار "سيعري كل من يلهثون وراء المناصب".
واعتبر رئيس الحزب المصري الديمقراطي محمد أبو الغار قرار البرادعي مناسبا في هذا التوقيت بعد أن قام بدور مهم عام ٢٠١٠ في التحضير للثورة.
وقال عضو مجلس الشعب عن حزب العدل مصطفى النجار إن تراجع البرادعي "مؤلم ومحبط للشباب الذين يريدون أن يكملوا معركة التغيير معه".
واعتبر العديد من الشخصيات كذلك أن قرار البرادعي يحرم المعسكر الليبرالي من أحد أبرز وجوهه. ورأى المحلل السياسي عز الدين فشير أنه بقرار البرادعي "لم يعد لقوى الثورة مرشح في انتخابات الرئاسة".
وعنونت صحيفة الشروق المصرية عددها اليوم بـ"البرادعي يُعري النظام القديم ويسحب ترشحه من سباق الرئاسة"، وكتبت المصري اليوم "قنبلة البرادعي تنفجر في وجه العسكري".
وعلى الجانب الآخر رأى آخرون أن البرادعي اتخذ قراره لأنه أدرك أن المزاج العام في مصر لا يميل إليه.
واستند مؤيدو هذا الطرح إلى أن تجربتي الاستفتاء على التعديلات الدستورية وانتخابات مجلس الشعب الأخيرة أثبتت ضعف حظوظ التيار الليبرالي في مصر.
فالاستفتاء على التعديلات الدستورية التي عارضها البرادعي وأيدها الإسلاميون حظيت بموافقة 77.2% من الشعب المصري، كما أن نتائج انتخابات مجلس الشعب تشير إلى حصول التيار الإسلامي بمختلف أطيافه على نسبة تقترب من ذلك.
ويبدو أن البرادعي استشعر أن جماعة الإخوان المسلمين لن تدعمه في السباق الانتخابي، وقد كان يعول كثيرا على دعمها له، الأمر الذي دفعه إلى الانسحاب المبكر من الانتخابات.
ومن جهته تمنى الأمين العام لحزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين سعد الكتاتني ألا يكون نفَس البرادعي قصيرًا إلى ذلك الحد، وأن يستمر في المسيرة وتحمّل المسؤوليات.
وقال المحلل السياسي حسن نافعة "البرادعي يعتبر أنه ربما لا يملك التأييد الشعبي اللازم كي يفوز في الانتخابات الرئاسية".
ورأى الكاتب بلال فضل أن قرار البرادعي لو كان "ثوريا خالصا لأخذه بعد أن سالت الدماء في ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وليس بعد العزاء بسنة".


آثار وتخوفات
ويبدو أن عاصفة انسحاب البرادعي ستأخذ وقتا حتى تهدأ. فقد أطلق عشرات من النشطاء صفحات على موقع الفيسبوك يرفضون قراره بالانسحاب، ووجهوا نداءات إليه يطالبونه بالعودة عن قراره.
كما أن البرادعي اختار توقيتا حساسا لقراره قبل مرور العام الأول على الثورة المصرية، وما يصاحب ذكراها من دعوات لأن يكون 25 يناير/ كانون الأول المقبل انطلاقة ثورة جديدة تحقق ما فشلت الثورة في تحقيقه حتى الآن.
وبالرغم من أن معظم مرشحي الرئاسة أبدوا أسفهم لقرار البرادعي، فإن انسحابه يصب في مصلحة عدد منهم في مقدمتهم عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي.
من جانبه دعا المرشح الرئاسي حازم أبو إسماعيل إلى دراسة الأسباب التي دفعت البرادعي إلى إعلان انسحابه، دراسة جيدة.
فهل يؤجج انسحاب البرادعي مشاعر الغضب من "العسكري" ويدفع إلى ثورة جديدة، أم يكتفي المصريون بالاحتفال بالعيد الأول لثورتهم؟

الجمعة، 6 يناير 2012

فيديو عن المهندس

فيديو عن المهندس يحيى عياش

الأسطــورة - المهندس - المُطَارِد رقم 1 - صقر الكتائب


الأسطــورة - المهندس - صقر الكتائب - المُطَارِد رقم 1
السيرة الكاملة لحياة
الشهيد يحيى عبد اللطيف عياش (أبو البراء)
" يحيى عياش الرجل المعنى في زمن تساقطت فيه المعاني عن كثير من الرجال ، الطيف العصى الذي لا يُرى بسهولة ، يحيى عياش اليدان اللتان تتقنان صنع الحرائق لتشرق الشمس بلا كآبة على الذرى الفلسطينية ، العينان اللتان تصادقان الليل فـي البحث عن ممر إلى ثغور الغزاة ..
الكوفية التي تتشابه خيوطها مع ندوب الأرض المقدسة ، يحيى عياش نجم فلسطيني احترق وهوى كعباءة منسوجة بورق الزيتون ووجهه مقبل على الصلاة كحدود الشهادة "
القلب الصغير الذي يحمله الشاب الهادىء الوادع يتسع كل فلسطين بأرضها وسمائها وبحرها وأقصاها وأهلها ، كان يعتقد دوماً أنه خُلق لأجلهم ، لأجل عزهم ، لأجل مستقبلهم .
كان الدم المسلم الفلسطيني نازفاً بغزارة الحقد اليهودي يغطي أرض (الحرم الإبراهيمي) في الخامس عشر من رمضان المبارك لتشتعل بهذه الدماء قلوب المسلمين ، فيما القلب الصغير تحوّل إلى نار وبارود ولهيب يلفح من ذبحوا شعبه على مرأى ومسمع العالم الظالم ، وأقسم أن يكون هو الرد ، هو القدر النافذ الذي يوقف زحف الغطرسة الصهيونية والاستعلاء الإسرائيلي، كان حينها المهندس مطلوباً لقوات الاحتـــلال بسبب انتمائه إلى (كتائب الشهيد عز الدين القسام)، وقد أدرج على قائمة المطلوبين لأول مرة في نوفمبر سنة 1992م إثر اكتشاف السيارة المفخخة في رمات إفعال) .
وفي السادس عشر من أبريل سنة 1993م وفي مفترق محولا في الغور نفذ هجوم انتحاري بمحاذاة حافلة ركاب إسرائيلية قتل شخص واصيب تسعة آخرون ، وفي أغسطس 1993 بتوجيه من (المهنس) نفذ (علي عاصي ومحمد عثمان) هجوماً نحو موقع للجيش الإسرائيلي قرب مفرق كفر بلوط أسفر عن مقتل جنديين ، وفي يناير 1994م ، توجه مع (علي عاصي) يحمل عبوة ناسفة محكمة ووضعها في ميدان رمايه للجيش الإسرائيلي في منطقة رأس العين ، وانفجرت العبوة واصيب جنديان بجروح خطيرة ، وانطلق الشهيد (ساهر تمام) في سيارته المفخخة التي أعدها (المهندس) لتنفجر بجوار باص إسرائيلي يقل جنود من جيش الاحتلال ، وقد أُصيب ثلاثين جندياً بجراح ، ثم انطلق الشيهد الشيخ (سليمان) بسيارته المفخخة وبجوار باص ينفجر حيث قتل شخصان وأصيب ثمانية بجراح . لكن الولادة الحقيقية (للمهندس) وعملياته التدميرية لكيان يهود كانت رصاصات (باروخ جولدشتاين) وهي تنفجر في رؤوس الساجدين لله تبارك وتعالى في الحرم الإبراهيمي (الشريف).
ففي الذكرى الأربعين للمجزرة وبالتحديد في السادس من نيسان 1994م كان الاستشهادي (رائد زكارنة يقل حقيبة (المهندس) وينطلق بها تجاه (العفولة) ، وفي حافلة ركاب كان (رائد زكارنة) يتفجر ويمزق معه ثمانية من الأجساد اليهودية ليشربوا من نفس الكأس الذي زرعوه ويمسح (رائد والمهندس) دمعة أولى عن وجنة فلسطين الغالية ، فيما قسم يحيى للثأر مازال ساري المفعول .
وبعد أقل من أسبوع ، وفي الثالث عشر من نفس الشهر وفي (الخضيرة) ينفجر (عمار عمارنة) لتسقط خمس جثث أخرى في استمرار لمدرسة (المهندس) التي أفتتحها .
وفي مواجهة المهندس وعملياته التدميرية لكيان إسرائيل المجرم يكبر الهم الإسرائيلي ويعجل الجيش الانسحاب بالفرار من غزة أولاً مع بداية شهر مايو 1994م ، وبعد أقل من شهر على عمليتي (العفولة والخضيرة) ، وبعد أشهر من المماطلة والتعنت الإسرائيلي ، وتنشأ إثر ذلك حالة من الرعب الهستيري ، فشبح (المهندس) وحقائبه تطارد كل إسرائيلي في كل مكان ليلعن اليهود (باروخ جولدشتاين) ، ورغم ذلك فمسيرة التفجير لم تكتمل ، ففي التاسع عشر من تشرين أول من نفس العام انطلق صالح نزال إلى شارع (ديزنغوف) في (تل أبيب) وهو يحمل حقيبة (المهندس) لينفجر وتهوي معه جثث اثنين وعشرين يهودياً ، يهرول (رابين) قاطعاً رحلته الخارجية ويعلن عداءه الشخصي مع (المهندس) ، ويواجه (أبو البراء) دولة (شعب وجيش وحكومة) فحاصرهم جميعاً وغدا شبحاً يطاردهم وكابوساً يؤرق أحلامهم ومستقبلاً قاتماً يغترف في قلوبهم الرعب ويقذف صدور قوم مؤمنين ، ألم يكن يتسع قلب المهندس لكل آلام الشعب الفلسطيني ؟؟ ، هذا بالإضافة إلى إطلاق (المهندس) نيرانه وقتل مستوطن وإصابة اثنين بجراح ، إضافة إلى قتل جندي إسرائيلي بطلق واحد .
ونتيجة الملاحقة المكثفة لشبح (المهندس) واعتقال كل من شاهد أو سمع أو علم به ، يضيق الخناق حوله خاصة بعد استشهاد رفيقيه (علي عاصي وبشار العامودي) ، وينقل (المهندس) مركز نشاطه إلى قطاع غزة ، ونجاح (أبو البراء) في الوصول إلى غزة يُعد بحد ذاته ضربة قاسية للكيان الصهيوني .
وفي الخامس والعشرين من كانون الأول 1994م يتقدم (أيمن راضي) من خانيونس يحمل حقيبة الرعب ويفجر نفسه قرب حافلة جنود بالقرب من (مباني الأمة) في (القدس) ليقتل شخصاً ويصيب ثلاثة عشر آخرين بجراح .
وفي التاسع من نيسان 1995م تنفجر سيارة (عماد أبو أمونة) قرب (نتساريم) في قطاع غزة ثأراً لدماء (كمال كحيــل) وإخوانه .
وفي الخامس والعشرين من حزيران 1995م تنفجر عربة (معاوية روقة) قرب حافلتي جنود في غزة .
وفي الرابع والعشرين من تموز 1995م تنفجر الحافلة الإسرائيلية في (رمات جان) تقتل ستة اسرائيليين وتجرح خمساً وثلاثيييين آخرين ، ويعلن تلاميذ يحيى عياش المسئولية ، فيما (ايجال عامير) يرقب اسحق رابين رئيس الوزراء ليقتله كردة فعل لهذه الضربات الموجعة .
وفي الحادي والعشرين من آب 1995م ينفجر الشهيد (سفيان جبارين) في الحافلة المزدوجة في مستوطنة (رمات اشكول) في القدس لتقتل خمسة وتصيب ما يزيد عن مائة آخرين ، ويؤكد (تلاميذ يحيى عياش) مسئوليتهم ليصل مجموع ما قتل بيد (المهندس) وتلاميذه إلى ست
وسبعين اسرائيلياً وجرح ما يزيد عن أربعمائة آخرين ، وهذا رقم قياسي لم ينازع (المهندس) فيه أحد، ليغدو (المهندس) شجرة باسقة الظلال ومدرسة يأوي إليها النماذج الفريــدة من المجاهدين ذوي الهمم العالية .
كان قلب (أبي البراء) الذي وسع كل فلسطين هادىء البال قرير العين ، فقد مسح دمع الثكالى والأرامل والأيتام وجفف جرح كل المصابين .
فيما الملاحقة الهوجاء (للمهندس) مستمرة على أشدها ، فتحاصر قريته ويداهم بيته باستمرار ويقطع عن (رافات) موقع الغرس الكهرباء ويمنع رصف شوارعها ، ويعتقل شقيقـــاه ووالده ووالدته
)الحاجة عائشة) يسألونها عن البطل المسافر كيف نشأ في أحشائها ... كيف كبر حتى صار بحجم الوطن ، يسألونها عن مكانه ، يحيى في كل مكان ... يحيى في كل زمان ... يحيى قنبلة فلسطين التي تحرق كل من مّس كرامتها .. أنين أمه يصله عبر الأثير ليصنع منه فتيل قنبلة أخرى وآهات والده الكهل الذي فقد حاسة السمع (بشكل مؤقت) نتيجة ضربه على يد الجنود الذين يبحثون عن (المهندس) يرحل إليه ونداء أشقائه (مرعي ويونس) من خلف زنازين القمع يصنع منها قنابل يفجر بها أياديهم التي صبغت بلون دمنا المراق على بوابات الوطن المغصوب ... ليغدو (يحيى) شمساً تشرق كل صباح وفجر كل فلسطين ونور كل حر ثائر ، وليل كل ظالم فاجر يغدو شبحاً وهاجساً يطارد الإسرائيليين وأسطورة للفلسطينيين نظموا بشأنها القصائد والأشعار والأنغام ، وهاتفته قلوبهم وأرواحهم بالاستمرار ، " جهز يا عياش لي شيئاً ، يرفعني من أرض الدنيا .. لجنان الفردوس الأعلي ، جهز يا عياش لي عبوة توقظني من غفلة قومي ، لأعيش حياة أبدية " . وتطور الحقد في قلب (رابين) شخصياً ليرى (شبح المهندس) عدواً خاصاً ، فيما يراه (أبو البراء) بذات العين ، ويعتبر نفسه في صراع مباشر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي (رابين) والذي اغتيل في الرابع من نوفمبر 1995 .
وقد أكد المحللون اليهود القريبون من (رابين) أن (شبح عياش) خيم على حياة (اسحق رابين) الذي وظف جيشه وأجهزة أمنه وأموالاً طائلة لمطاردة المطلوب رقم واحد ، ولكن (عياش) يفلح في الإفلات من الذراع الطويل للجيش الإسرائيلي ولجهاز (الشاباك) ، وقام بالتخطيط في أخطر مراحل المطاردة لهجمات وتشكيل خلايا مع أن مطلوبين عديدين من الذين عملوا في محيطه القريب قتلوا أو اعتقلوا ، ورغم الوحدات الخاصة التي لاحقته والكمائن في القدس والضفة وغزة في الجبال والكهوف ومخيمات اللاجئين والبيوت المهجورة .
وقد لقب رئيس الحكومة الإسرائيلية (اسحق رابين) (يحيى عياش) (بالمهندس) وأطلق عليه هذا اللقب في احدى جلسات المداولة بين (رابين) وقادته أمنه للبحث في قضية (عياش) وسبل الوصول إليه ، وقد أبدى رابين (كما صرح جدعون عزرا رئيس جهاز الشاباك الأسبق) اهتماماً بكفاءات وقدرات (عياش) ، وأخذ يضفي عليه لقب (المهندس) بعد أن علم ما يمتلكه (المهندس) من إمكانيات ، وقد كان (رابين) يبدأ كل جلسات الحكومة ومجلسه المصغر ومجلس الأمن بالسؤال عن (المهندس) ، وقد صرح (رابين) بهذا اللقب للصحافة أكثر من مرة حتى غدا المقاتل الفلسطيني الفذ أسطورة ملحمية خالدة وشبحاً رهيباً يطارد اسرائيل ، لذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن يختاره جميع الخبراء اليهود والأجانب (كرجل العام 1995) حيث أثر على إسرائيل وحياتها ومستقبلها أكثر مما أثر رابين وحكومته وجيشه ، وقد بثت الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلي العديد من البرامج حول هذا الشبح الأسطورة وهذه أجزاء من ترجمة حرفية لبرنامج بثه التلفزيون عن المهندس في الخامس والعشرين من يناير 1995م .
وقد تحاور في البرنامج أربعة من الخبراء والمستشرقين الصهاينة المتخصصين وهم الدكتور (ماتي شتاينبرغ) ، والدكتور (إبراهيم سيلع) من الجامعة العبرية ، شمعون رومح (من قادة جهاز الشاباك السابقين) والصحفي اللامع ايهود يعاري المتخصص في الشئون العربية ، حيث أمطر الصحفي المخضرم (مشعل) مقدم البرنامج ضيوفه بسيل من الأسئلة تمحورت على كيفية عمل (المهندس) ؟ من الذي يوجهه ؟ من يختار الاستشهاديين ؟ لماذا لم تفلح أجهزة الأمن في القبض عليه ؟
وبادرهم مشعل بالقول : " المطلوب يحيى عياش في سباق مع الزمن ، فمسلسل الهجمات العنيفة التي نفذها جعلت منه هدفاً رئيسياً ذا أولوية أولى لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الشاباك) الذي درس شخصيته وتركيبته الفسيولوجية بعناية في محاولة للعثور على نقطة ضعف واحدة تقود إلى إلقاء القبض عليه ".
(ايهود يعاري) اعتبر " أن لكل مرحلة من مراحل النضال الفلسطيني رموزها وأنه مثلما شكل (عماد عقل) (رمز العمل العسكري) في حركة (حماس) ، فإن (يحيى عياش) يمثل (رمز العمل العسكري الإنتحاري) " ، فيما عبر (شمعون رومح) عن إعجابه بالقول : " إنه لمن دواعي الأسف أن أجد نفسي مضطراً للإعتراف بإعجابي وتقديري بهذا الرجل الذي يبرهن على قدرات وخبرات فائقة في تنفيذ المهام الموكلة إليه ، وعلى روح مبادرة عالية ، وقدرة على البقاء ، وتجديد النشاط دون انقطاع " .
وكان رأي (د. سيلع ود. شتاينبرغ) : " أن المشكلة في البيئة العقائدية الأصولية التي يتنفس (المهندس) من رئتها هي التي تبدع وتفرز ظاهرة المهندس ، وظاهرة الرجال المستعدين للموت في سبيل عقيدتهم " ، وكما هو الحال بالنسبة لكل شخصية أسطورية فإن الهوس الإسرائيلي ينسب له عجائب عدة ، فهو صاحب هويات مختلفة وله حضور في كل مكان يتواجد في (مصر وإيران وليبيا والسودان ، وفي خانيونس وغزة ، رام الله ، قلقيلية ، جنين ، القدس ، تل أبيب) حتى في منزله (برافات) ، وهو متنكر بزي يهودي متدين وأحياناً (كمستوطن) مسلح ببندقية ، وأنه يتجول بشخصية دبلوماسية في تل أبيب ، ويقود سيارة ذات لوحات تسجيل إسرائيلية ، وأنه يتنكر بهيئة امرأة ، وبهيئة شيخ مسلم ، فقد شارك في جنازة الشهيد (كمال كحيل) بهذه الهيئة ولم يكن يعرفه أحد ، عياش يبدل هيئته يومياً ولا يبيت سوى ليلة واحدة في البيت الواحد .
وعند الفلسطينيين فهو مجاهد قدير يشبهونه (بصلاح الدين الأيوبي) أو (عز الدين القسام وأبو جهاد) ، ويتندرون بأنه (أبو جلدة) ذلك الرجل الذي نجح في الإفلات من البريطانيين لمدة عشر سنوات .
بلغ الهوس الإسرائيلي ذروته حين قال (رابين) : " أخشى أن يكون جالساً بيننا في الكنيست " ، هذا الهوس لم يطل رابين فحسب بل غدا كابوساً يتسلل إلى مضاجع الصهاينة ، فأكثر من 80% من سكان اسرائيل يخافون استخدام المواصلات العامة ، واشتكى أكثر من عشرين ألف اسرائيلي من أمراض نفسية نتجت عن عمليات التفجير ، وتشاجر يوماً جنديان ، فقال أحدهما للآخر : " إن شاء الله تقع في يد (المهندس) " .
وفي أحد البرامج التلفزيونية عن المهندس قال المذيع : " إنني أخشى أن يفجر المهندس هذا
الاستيديو أمام أعين المشاهدين "، وقد وقف علماء النفس حيارى أمام (ظاهرة المهندسلوجي) ، فلا يملكون لها وصفاً أو ادراجاً تحت أبواب العلم المعهودة ، فهل هو رجل حقاً بمفرده أم هي أمة تنكرت على هيئة رجل له عقل واع مستنير وأصابع ماهرة وقلب يطفح بالإيمان ، وكلما تحركت يداه جهز النازيون الجدد أكفانهم وأعدوا لسيول الدمع أجفانهم وبدأ العد التنازلي لوعد الآخرة . هذا الهــوس
الإسرائيلي أضفى على (المهندس) حالة من القداسة حتى أعظم قادة إسرائيل كانوا عند ذكره لا يخفون حالة الرعب والخوف .
(فاسحق رابين) رئيس الوزراء السابق يقول : " لا شك أن (المهندس) يمتلك قدرات خارقة لا يملكها غيره ، وإن استمرار وجوده طليقاً يمثل خطراً داهماً على أمن اسرائيل واستقرارها " .
أما (موشيه شاحل) وزير الأمن الداخلي السابق فيقول : " لا أستطيع أن اصف المهندس يحيى عياش إلا بالمعجزة ، فدولة اسرائيل بكافة أجهزتها لا تستطيع أن تضع حلاً لتهديداته " .
و(الجنرال أمنون شاحاك) رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق فيقول : " إن اسرائيل ستواجه تهديداً استراتيجياً على وجودها إذا استمر ظهور أناس على شاكلة المهندس " .
بينما يقر (يعكوف بيرس) رئيس المخابرات الإسرائيلية سابقاً قائلا : " إنني أقر أن عدم القبض على المهندس يمثل أكبر فشل ميداني يواجه المخابرات منذ إنشاء دولة اسرائيل " .
فيما (جدعون عزرا) نائب رئيس المخابرات سابقاً يقول : " إن احتراف المهندس وقدرته تجلت في خبرته وقدرته على اعداد عبوات ناسفة من لا شيء " .
إن (عياش) غدا كالسحر تنشق الأرض وتبلعه صاحب أرواح سبعة ، إن مجرد ذكر اسم (يحيى عياش) كافياً لأن يرتعد الإسرائيليون وهم يستعيدون صدى الانفجارات الاستشهادية التي أحرقت وهم أمنهم على أرض فلسطين ، فمهندس الكهرباء الفلسطيني الذي لم تستطع وسائل الإعلام أن تحصل على أكثر من صورة واحدة له استطاع أن ينظم توجيه عدة ضربات موجعة في قلب مواقع قوات الجيش الإسرائيلي ، وأن يذهل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية برسائله المفخخة التي كانت تصل دوماً من عنوان جديد ، وقد فشلت كل المحاولات الإسرائيلية لاقتفاء أثره والوصول إليه برغم كل التدابير الأمنية ، فكان حقاً رمزاً للمقاتل ذي القلب الحديدي المؤمن بالله ، في ليالي الإسرائيليين شبحاً مرعباً قض مضاجعهم وزرع الرعب في ناقلاتهم .
هذا هو (يحيى عياش) في نظر الإسرائيليين أصعب من الوصف ، وأعقد من الخيال لا يُرى بالعين فيمسك ، ولا يُسمع بالإذن فُيرصد ، اختار الخيار الأصعب ، وقبل المواجهة الأخطر ، وقد ولد يحيى ونشأ في قرية (رافات) بين نابلس وقلقيلية لعائلة متدينة محافظة ، وقد رزق الله (الحاج عبد اللطيف) ابنه البكر (يحيى في) الثاني والعشرين من مارس من عام 1966 ، وقد كان يحيى معروفاً بذكائه الحاد وحفظه الدقيق ، وبدأ بحفظ القرآن منذ السادسة من عمره ، وكان الصمت والخجل والهدوء ميزات خاصة في يحيى ، وكأي فلسطيني كبر يحيى وكبر معه الألم الذي يعتري الأحرار ، كان يدرس في مدرسة القرية الإبتدائيــة ويقف واجماً في وسط الطريق يحملق في جرافات المستوطنين التي تسوي أراضي القرية وتلتهمها لتوسيع المستوطنة .
وقد واصل دراسته الإعدادية والثانوية وحصل في امتحان التوجيهي على معدل 92.8% في القسم العلمي ليلتحق (بجامعة بيرزيت) في قسم الهندسة الكهربائية (قسم الإلكترونيات) وكان يحب دراسة الكيمياء التي تبحر فيها ، وقد كان خلال دراسته أحد نشيطي (الكتلة الإسلامية) .
وبعد تخرجه حاول الحصول على تصريح خروج للسفر إلى الأردن لإتمام دراسته العليا ورفضت السلطات طلبه ، وقد عقب على ذلك (يعكوف بيرس) رئيس المخابرات آنذاك بالقول: " لو كنا نعلم أن (المهندس) سيفعل ما فعل لأعطيناه تصريحاً ، بالإضافة إلى مليون دولار " ، وتزوج بعد تخرجه من إبنة عمه ورزقه الله ولده البكر (البراء) فيما رزق بولده (يحيى) بتاريخ 24/12/1995م .
ولمّا انطلقت شرارة الانتفاضــة أول (أبو البراء) رسالة إلى (كتائب الشهيد عز الدين القسام) ، يوضح لهم فيها خطة لمجاهدة اليهود عبر العمليات الاستشهادية وأصبحت مهمة (يحيى عياش) إعداد السيارات المفخخة والعبوات شديدة الانفجار .
وطوال أربع سنوات المطاردة التي عاشها (المهندس) بكل ما تحمل من تحدي وخطورة لم تقف أجهزة الدولة الإسرائيلية عن البحث عنه في كل مكان ، فقاموا بتوزيع البيانات في شهر يوليو 1993 على أهالي نابلس يحذرونهم مساعدة (المهندس) ، إضافة إلى توزيع صوره ومواصفاته على جميع عناصر الجيش الإسرائيلي ، بينما صورة بوستر كبيرة بالألوان معلقة للمهندس في المكتب الرئيسي للشاباك ، عدا عن نشاط الوحدات المستعربة وأجهزة الرصد والمعلومات إضافة إلى تضيق الخناق على (المهندس) باعتقال كل من كانت له معهم علاقة ، وساعدوه حتى غدا وحيداً . وكانت أبرز محاولات اغتيال (المهندس) تلك التى وقعت في (دير بلوط) في 6 أغسطس 1993م حيث اصطدمت سيارته بحاجز عسكري أسفر عن استشهاد رفيقه (عزيز مرعي) واعتقال (محمد ريان) بينما تمكن (المهندس) من الفرار .
وفي حي القصبة بنابلس في 11 تموز 1994م تعرض منزل كان يأوي (المهندس) وإخوانه للقصف ، وبعد ساعات من الاشتباك استشهد (علي عاصي وبشار العامودي) اللذين غطيا انسحاب المهندس .
ولم يكن (المهندس) هو الحالة الوحيدة التي استهدفها رصاص الشاباك والموساد الإسرائيلي فقائمة الاغتيالات واسعة ، فقد ثم اغتيال ثلاثة عشر كادراً لمنظمة (أيلول الأسود) ، واغتيال ثلاثة من كبار قادة المقاومة في منظمة التحرير وهم (كمال ناصر ، وكمال عدوان ، وأبو يوسف النجار) ، وذلك في نيسان 1973 ، وفي حزيران 1978 تم اغتيال (علي ياسين) مدير مكتب المنظمة في الكويت ، وفي آب 1978 ثم اغتيال (عز الدين القاق) ممثل المنظمة في باريس ، وفي تموز 1979 ثم اغتيال (زهير محسن) زعيم منظمة الصاعقة الفلسطينية ، وفي حزيران 1981 تم اغتيال (نعيم خضر) ممثل المنظمة في بلجيكا ، في أيلول 1982 تم اغتيال (سعد صايل) قائد القوات العسكرية في منظمة التحرير ، وفي تشرين 1986 تم اغتيال (منذر أبو غزالة) قائد القوات البحرية في المنظمة ، وذلك في العاصمة اليونانية ، وفي شباط 1988 تم اغتيال ثلاثة من قادة القطاع الغربي في مدينة ليماسول في قبرص .
وفي تشرين أول 1981 اغتيال (ماجد أبو شرار) عضو اللجنة التنفيذية ، وفي نيسان 1988 اغتيال (خليل الوزير) في تونس ، وفي شباط 1992م اغتيال (عباس موسوي) زعيم حزب الله، وفي ظل السلطة الفلسطينية ثم اغتيال (ناصر صلوحة) في يوليو 1994 ، و(هاني عابد) في نوفمبر 1994م ، و(إبراهيم ياغي) في ديسمبر 1994م ، وفي ابريل 1995م ثم اغتيال (كمال كحيل وحاتم حسان وسعيد الدعس) ، وفي يونيو 1995 ثم اغتيال (محمود الخواجة) ، وفي سبتمبر 1995م ثم اغتيال (إبراهيم النفار) ، وفي أكتوبر 1995 ثم اغتيال (د. فتحي الشقاقي) زعيم حركة الجهاد الإسلامي . وكان آخرها اغتيال (المهندس) الذي كان المستهدف الأول للرصاص الإسرائيلي حيث استخدمت إسرائيل أرقى مستويات التكنولوجيا والعمل الأمني للوصول إلى صيدها الثمين .
حيث تمكن الشاباك من الوصول إلى معلومات بموقع المهندس والتسلل إلى قطاع غزة إلى دائرة الأشخاص الأقرب إلى (أبي البراء) ، وكما يروي (أسامة حماد) صديق (المهندس) والشاهد الوحيد على عملية الاغتيال حيث قال أن (يحيى) إلتجأ إليه قبل خمسة شهور من استشهاده حيث آواه في منزله دون أن يعلم أحد ، وكان (كمال حماد) وهو خال (أسامة) ويعمل مقاول بناء ، على صلة وثيقة بالمخابرات الإسرائيلية يلمّح (لأسامة) بإمكانية زيارة يحيى له في شركة المقاولات وأعطاه جهاز بيلفون لاستخدامه ، وكان (كمال) يأخذ جهاز البيلفون ليوم أو يومين ثم يعيده ، وقد اعتاد والد المهندس الاتصال مع (يحيى) عبر البيلفون ، وقد طلب منه (يحيى) مراراً الاتصال على الهاتف البيتي ، وقد اتفق (يحيى) مع والده على الاتصال به صباح الجمعة القادم على الهاتف البيتي ، وفي صباح الجمعة الخامس من يناير 1996م اتصل (كمال حماد) بـ (أسامة) وطلب منه فتح الهاتف المتنقل لأنه يريد الاتصال من إسرائيل ، واتضح أن خط هاتف البيت مقطوع ، وفي الساعة التاسعة صباحاً اتصل والد يحيى على الهاتف المتنقل الذي أبلغ أسامة أنه لم يستطع الاتصال على الهاتف البيتي ، واستلم المهندس الهاتف وقال لوالده : " يا أبي لا تظل تتصل على البيلفون " حين دوى انفجار ويسقط المهندس واللحم يتناثر والزجاح يتحطم وبقع الدم تتناثر ويتضح أن عبوة ناسفة تزن 50 غرام انفجرت في (الهاتف النقّال) ، يهوي الجسد المتعب ليستريح من وعثاء السفر ، يستريح المقاتل الصلب بعد سنوات الجهاد ، ويصعــــــد إلى العلا والمجد يلتقي هناك بالنبيين والصديقين والشهداء بإذن الله ، هكذا يفوز المهندس في الدنيا والآخرة .
لم تنم غزة ذلك المساء فقد كان بانتظارها ليل آخر تسرب في خيوطه الأولى دمٌ ترامى فوق يديها كالشظايا ... (دم يحيى عياش) ، في البرهة التي يتكاثر فيها الزبد ويصبح المقاتلون فئة قليلة ، في الوقت الذميم الذي تتربص فيه الحواجز والأسلاك الشائكة بالعيون المقاتلة الشاخصة إلى كل بقاع فلسطين ، غاب (يحيى عياش) واحترق نجم فلسطين هوى على (جباليا) كعباءة منسوجة بورق الزيتون ووجهه مقبل على الصلاة كحدود الشهادة ، (يحيى عياش) الرجل المعنى في زمن تساقطت فيه المعانـي عن كثير من الرجال ، الطيف العصي الذي لا يُرى بسهولة .
(يحيى عياش) اليدان اللتان تتقنان صنع الحرائق لتشرق الشمس بلا كآبة ، على الذرى الفلسطينية العينان اللتان تصادقان الليل في البحث عن ممر إلى ثغور الغزاة ، الكوفية التي تتشابه خيوطها مع ندوب الأرض المقدسة ، كان يدرك كلما وصل غزة أن عليه أن يخفي ملامحه والخفق الفلسطيني في قلبه وبيارات البرتقال في عينيه كي لا يكتشف أحد موقع الانفجار القادم فيما الغدر يتربص به ويكمن في الزوايا والأزقة وتحت أصغر الظلال .
الليلة وبعد أن تسرب دم (يحيى عياش) في هدوء الأمسية ، سيصعد صوته من غموض الأشياء القاتمة في فلسطين مثل برج حجري لصوته الشهيد ، أنا (يحيى عياش) المولود في حقل فلسطين على أزهاره دم لم أستطع تفسيره طفلاً ، ولم أستطع احتماله رجلاً ، فبحثت عن أسرار الانفجار ، تعلمت كيف أمسح الدم عن الحرم الإبراهيمي بالحرائق . ليس في فلسطين حجر أو زاوية أو جدار لا يستطيع أن يتهجأ اسمه ليس هناك جدولاً ولا سنبلة أو شجرة لا تتشابه به مع ملامحه ، تتشابه مع الرجل الذي أخفى ملامحه لتتضح معالم البلاد .
دم (يحيى عياش) في غزة كان يركض في شوارعها كنهر بلا مستقر ، كان يرفع صوته ذبيحاً، يحكي قصة المجاهد الأسطوري الذي صوب قلبه إلى الشمس في (قلب) غزة هاشم ، ولم يتسع له الوقت ليطرق أبوابها واحداً واحداً كي يضع أمانة الدم في الدم ، فكان أن ترك وصيته على الأرصفة حتى تصافح في الصباح وجوه تلاميذ المدارس وهم يذهبون إلى درس القراءة عن الوطن المحاصر بين الوثائق وسلاح الغزاة ، استشهد (عياش) تاركاً أمانة الدم لنا وإشارة صريحة إلى جهة الخرق الإسرائيلي القادم .
وعلى حافتي الطريق يبقى المهرولون أصحاب الدنيا يبحثون عن مكان فوق الطين فيما يستقبل المهندس الشهادة وهو يرفع الراية في زمن الصعود الصهيوني الأمريكي يبرز الخيار ناصع البياض ، فعندما يسقط رأس (يحيى عياش) حينها (يحيى) غير قابل للرثاء ويستعصي على الكلمات ، (يحيى) كان قابلاً للانفجار ، قابلاً للاشتعال وقلبه وسع كل فلسطين من بحرها إلى نهرها ، فأي لغة يمكن أن تسعه .
إن دم (يحيى عياش) قد وضعنا على طرف الخيار ، إما أن نُغيب أو نُعلب أو نموت على مزاج الأوصياء ، وذلك منطق الجنون ، جنون السقوط طالما أننا نستطيع الموت على مزاجنا، وبينما يختار المهندس الشهادة والآخرة ، يختار قاتله حفنة من الدولارات ، ويلقيه الشاباك بعد ذلك جيفـة تتسكع في ممرات (تل أبيب) .
وما أن انتشر خبر استشهاد المهندس حتى ساد في أنحاء فلسطين خاصة والعالم الإسلامي عامة حالة من عدم الاستقرار ، وخرجت الآلآف في شوارع قطاع غزة وفلسطين يهيمون على وجوههم بغير وعي ، وأعلنت إسرائيل حالة الطوارىء ، وأغلقت الضفة وغزة ونشرت قوات معززة ، ولم تخف فرحتها العظمى بهذا الخبر ، حيث صرح (يعقوب بيري) رئيس المخابرات السابق بالقول : " موت عياش وضع حداً لأخطر وأعنف المحاربين الذين عرفناهم " . فيما صرح (موشيه شاحل) وزير الأمن الداخلي بالقول : " بتنا نتنفـس بشكل أفضل بعد إعلان موته ".
فيما سيطر على إسرائيل شبح العمليات الاستشهادية ، وفي قرية (رافات) مسقط رأس الشهيد الأسطورة توجه الآلآف إلى بيت (عياش) ، فيما انهمرت الدموع من عيني والديه وأخويه ، ويصرح والد المهندس أن استشهاد المهندس ليس النهاية ، فيما عبر شقيقه عن مزيج من الفرحة والحزن ، وأكد قائلاً أن : " أخي كان بطلاً " .
وقد نعت (حماس) شهيدها العملاق عبر البيانات ومكبرات الصوت ، وأعلنت الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام ، وعقدت مؤتمراً صحفياً قرب المنزل الذي صعدت فيه روح (يحيى) ، بينما خرج الملثمون التابعون لحركة (حماس) في مختلف أنحاء الضفة الغربية وغزة ينعون المهندس الشهيد ، وانطلق مسيرات جماهيرية حاشدة في مختلف أرجاء فلسطين حيث انطلقت مسيرات جماهيرية حاشدة شاركت فيها كل القوى نعت الشهيد في رام الله وطولكرم وجنين ونابلس وأريحا وقلقيلية وفي الخليل وبيت لحم ، وعم الإضراب مدينة القدس .
وقد أدانت (السلطة الوطنية) اغتيال (المهندس) ، وصدرت الأوامر من الرئيس(عرفات) بتشكيل لجنة تحقيق مشتركة ، وتوجه لتقديم واجب العزاء لحركة حماس في موقع العزاء للمهندس ، وقد أدانت كافة الشخصيات الفلسطينية في الضفة والقطاع ومناطق الـ (48) جريمة الاغتيال خاصــة أنها وقعت في ظل التحضيرات الكبيرة لإجراء أول انتخابات للسلطة الفلسطينية . فيما نقلت وكالات الأنباء تنديدات مختلفة من شتى بقاع العالم بحادث الاغتيال الذي أثّر بشكل ملموس على الجو الهادئ في مناطق السلطة الفلسطينية خاصة بوجود توافق بين السلطة والمعارضة .
وفي اليوم التالي للرحيل كان الوداع الأخير لنجم فلسطين الأول ، فكان يوم السبت السادس من يناير 1996 لا مثيل له في تاريخ غزة ، حيث احتشد ما يزيد عن الربع مليون من شباب قطاع غزة وبحضور والد ووالدة الشهيد وزوجه وولديه البراء ويحيى وأقيمت الصلاة على جثمان الشهيد في مسجد فلسطين ، وانطلقت باتجاه مقبرة الشهداء ، وسار الموكب أربع ساعات متواصلة ، الجماهير التي انطلقت بحشودها المتراصة تؤكد أن عياش حس الجماهير وخيارها الأوحد ، فانتخبته في استفتاء قاطع لكل الأوهام ، ووقف علماء النفس يلوون شفاههم ما هذا ؟ من أين جاء كل هؤلاء لتشييع المهندس ، ويوم عرسه الرائع ، الأعناق تدوس الأعناق ، والرجال تحلق زاحفة مسافات ومسافات لا تدري من يحملها فوق الأرض ، والكل يبغي التمسح بالجسد ولا تواتيه الفرصة ليخضب أصابعه بقطرة من دم الشهيد يضعها على شفتيه فتقوح منها ريح المسك .
القتلة الذين ظنوا خطأ أن عبوة صغيرة في جهاز هاتف متنقل قد أنهت حالة (المهندس) في الشعب الفلسطيني ، ولو قدر لصاحب الموساد أن يقف يوم السبت أثناء عرس الشهيد لأدرك أنه فرغ على التو من إعداد ما يزيد عن الربع مليون (مهندس) .
ترى كم كان وسع خطوة (يحيى عياش) وهو يغدو بين جنبات الوطن ليتوارى عن أعين الغزاة خطوته حين غادرنا كانت بالكيلومترات ... خطوة يحيى عياش صارت بيتاً وسع الشعب كله حين سار في جنازة يحيى .
وفي المقبرة اصطفت الآلآف لإلقاء النظرة الأخيرة على الجثمان المسجى ويطبع آل الشهيـد القبلة الأخيرة على جبينه الطاهر ، فيما أطلقت كتائب القسام وقوى الأمن الفلسطيني واحد وعشرين طلقة تحية للشهيد ، فيما أطلق ولده (البراء) رصاصات التواصل من مسدس في يده .
وتحدث والد الشهيد شاكراً الجماهير المحتشدة قائلاً (كلكم يحيى عياش) ، وإثر مواراة جثمان (أبو البراء) الثرى أقامت (حركة المقاومة الإسلامية) مهرجان تأبين استهل بتلاوة القرآن الكريم وألقت كافة القوى السياسية بيانات نعى وتنديد ومواساة .
وأقيم إثر ذلك سرادق عزاء ضخم للشهيد أمام (مسجد فلسطين) حيث أمه الآلاف من جماهير القطاع والقوى السياسية المختلفة ، وأذاعت كتائب القسام بيانات النعي وأكدت تهديداتها بالثأر لدماء المهندس الغاليـــــــة .
وفي يوم الجمعة الثاني عشر من يناير 1996 أقيم حفل تأبين ضخم على أرض ملعب اليرموك في وسط مدينة غزة ودعت فيه حماس وكتائبها شهيدها العزيز وهتفت الجماهير للراحل الكبير. ولم يكن بوسع كتائب القسام أن ترك هذا الامتهان الإسرائيلي دون رد خاصة ودماء جوهرتها الثمينة تنزف على أرض غزة ، فبعد خمسين يوماً بالضبط من استشهاد (المهندس) ، وفي الخامس والعشرين من فبراير 1996 بدأت سلسلة هجمات استشهادية في (القدس والمجدل) ، وبعد أسبوع في (القدس وتل أبيب) ليسقط في هذا الأسبوع الدامي ما يقرب من ستين قتيلاً إسرائيلياً ، عدا عشرات الجرحى " عمليات الثأر بقيادة القسامي المعتقل حسن سلامة "وبادرت إثرها قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى هدم منزل المهندس وتشريد أهله من بيتهم في (رافات) . وهكذا استراح (أبو البراء) في ثرى غزة الثائر بعد أن نفد تلاميذه الدروس التي تلقوها على يديه بمهارة واتقان فائقين .
)يحيى عياش) في لحظة الولادة كان السنديان يشتد ، وفي لحظة الشهادة كانت الولادة سنابل تتسلق عتبة الدار لتحاكي ذكرى طفل ترك وراءه حمام البيت ودفتراً فيه أمنيات تنام بهدوء ولا يجزعها المنام ليلاً يجيىء يحيى يفتح باب الدار فيهب النعناع وقلب أمه المطرز بالاقحوان .. لطفل كانت تهدهد له حمام الدار كي ينام .. يدخل وحقيبته الملونة . يسندها إلى حائط حجري وينام في حضن أمه ، فتعدد الهجرات في جبينه ، لقد كبرت يا يحيى .. أي لقد عددت الهجرات في كاهلي فوجدتها جنازات يهرع يحيى إلى المخيم ، يركض إلى بحر غزة .. يلقى مركبه الورقي الصغير .. وينام على شاطئه ويتقلب على رماله ، فتكبر الجروح في عينيه كأنها ألف عام .. ييكبر (يحيى) ويكبر معه المخيم .. من طفل مشاكس إلى رجل قادم عبر الذكريات والطلقات التي اخترقت صدر المخيم لكنه لم ينحنِ .
تستفيق فلسطين على انفجار وتخرج البلاد من جرحك النازف قرى وجداول ماءً ونعناعاً ، يستفيق الشهداء يخرجون من جرحك قطرات دمٍ سالت على الجبين الصلب المتغصن والشهداء يضمدون جرحك النازف ، ويدعون طيور الصباح المهاجرة لتتوسد الجسد المسجى بهدوء ملائكي كأنه يخبىء بين ضلوعه انفجاراً قادماً .
وتخرج غزة لتودع (يحيى ..( تخرج كل فلسطين لترى الشهيد الذي لم يمت .. تكبر البلاد بولادة (يحيى) ... تزغرد أم لطفل قادم في وجهه ابتسامة ، وفي يديه دفتر صغير ومركب ورقي ، ويركض إلى بحر غزة يفتش عن حدوده ويتقلب على رماله ويكتب يحيى لم يمت ولكن شبه لهم . هكذا يموت الأبطال .. أشجاراً أصلها ثابت وفرعها في السماء .. حبالاً تمر عليها ضربات السنين ، لا يموتون ، ينتقلون من حياة إلى حياة ، ومن دار إلى دار ... كما الطير يسرح في فضاء لا حدود له. هكذا خرج (يحيى) من الحياة ، حياة العنف والكد ، خرج بعد أن أدار لها ظهره ، وبعد أن نظر إليها نظرة الاستخفاف والسخرية ، ما أهونك على من خلقك .
هكذا خرج يحيى من الحياة ، بعد أن أودع فيها بدلة الكاكي وقطعة السلاح ورغيف الخبز اليابس والبساط الملوث بالوحل والطين ، والملجأ المظلم يحوى فرشة ولحافاً وموقداً للنار ، لم يعد (يحيى( بحاجة إليها فقد استنفذ وقته ورحل ... هكذا خرج (يحيى) من الحياة .. بعد أن حفر بكلتا يديه طريقاً للرصاص الممتد من رفح حتى الجليل ورسم ممراً للقنابل تعبر فوق الجسور وتحت الأنفاق ، وبعد أن شق جدولاً للدماء يخترق سواحل غزة وجبال القدس وروابي الخليل وسهول يافا ، حتى إذا بلغ المرج تدفق شلالات تتراقص على لحن بيوت اللاجئين وخيام الفقراء والأطفال الذين انتظروه على قمم الجبال لأنه وعدهم أن يمر ويسلم عليهم . هكذا خرج يحيى من الحياة ، بعد أن علم الأطفال الذين لم يجيدوا نطق الحروف الأبجدية بعد أن روضة الاستشهاديين ستكون فيها أرجوحتهم ولعبهم ولهوهم .
وهكذا علمهم نطق الألف والباء في حرية الدم وحلاوة المراغمة ، ورسم على وجوههم صورة لا تكاد تمحى ، إنكم يا صغاري الأبطال وحدكم ، وغيركم الجبناء ، أنتم الفرسان تمتطون صهوات المرحلة وغيركم تأبطوا ملفات السياسة المارقة المليئة بأخطاء اللغويات .
هكذا خرج بطلاً في وقت عزّ فيه الأبطال وفارساً في وقت تنادى فيه المتساقطون على وليمة الوطن ، ورمزاً في وقت سقطت فيه الشعارات الممجوجة (المقرفة) .
لم لا تبكيك البواكي ؟ لم لا تمطر السماء ؟ لم لا يثور البحر وينشق الفجر ؟ وأنت الذي أعطيت الحياة معناها ، والسماء زرقتها والبحر شهامته وغضبه .
أهي الحقيقة يا (يحيى) ، لن نراك بعد الآن ؟ وأهاً يا أمة العرب ؟ ألن ترقص النساء في مخيم رافات على صوت أقدامك وأنت تهدر في أرضك ) المسلوبة) في العفولة والخضيرة وتل الربيع، ألن تلقى أباك صاحب العقال لتهمس في أذنيه خلي بالك من براء .
(يحيى) .. يا أبا البراء لم تمل من المطاردة ولا حفيت أقدامك من الشوك ولا ارتجفت مفاصلك من لذع البرد وحرقة الشمس ، كنت أعلم أنك تطارد وتطارد ، تجري وراء جيش بأكمله تحاربه وحدك ، ويجري وراءك جيوش من السفلة وشذاذ الآفاق ، من يهود البقرة ، وعرب النفاق الذين ربوا على النفاق . أخيراً اصطادوك ، أغبياء هم وما أتعسهم ، لقد اغتالوا فيك الجسد ، لكننا - وقت السقوط - كنا عند رأسك ننتظر روحك نلفها بالحرير والطيب والحناء ، وقت السقوط رحلت إلى عليين بإذن الله ، لم تشأ إرادة الله أن تطال الأيدي الآثمة والأرجل النجسة منك ، يا طهر البحر وطيب السماء .
(يحيى) ... ما أجملك وأنت تدخل بوابة القبر وقد اصطفت ملائكة السماء ، صفوفاً صفوفاً تنثر عليك الرياحين وتغمرك بالطيب ، ثم ها هو (عماد عقل) يقف من بعيد ينتظر إلى أن يصل إليه الدور ليطوقك بكلتا يديه الصغيرتين ، لم يتغير فيه شيئ .
يقبلك من جبينك ووجنتيك ، ثم صف الشهداء من الكتائب ، يدعونك الآن حتى تستريح من عناء المطاردة ، يدعونك تستريح من وعثاء السفر . كانت رحلتك طويلة ، آن لهذا الفارس أن يمد قدميه ويلصق ظهره بالأرض ويغمض عينيه وينام

في ذكرى استشهاد المهندس


إنه المهندس يحيى عياش..

الرجل الذي أحببته كما لم أحب مجاهدا معاصرا مثله..

قالوا لقد فقدت حماس مهندسا لا تفرحوا فالشعب زاد تحمسا
ما مات من نال الشهادة مقدما دخل الجنان بحورها قد أعرسا
فرش الملائكة الكرام بساطها استبرقا بثوا عليه السندسا
هل يعرف التاريخ قائد ثورة شيخا قعيدا للكتائب أسسا
هو( أحمد الياسين) أنشأ فتية ( يحيى) لرايات الهجانا نكسا
أمهندس الأجيال هاك جسومنا صغها قنابل كي تبث وتغرسا